Breaking

الاثنين، 25 فبراير 2019

انقلاب فبراير 1954 في سوريا.. هاشم الآتاسي

في آذار/مارس 1949 تمت الإطاحة بالقوتلي على يد رئيس أركان الجيش حسني الزعيم في أول انقلاب عسكري في الشرق الأوسط، وقد ترأس الزعيم حكومة عسكرية لمدة أربعة أشهر قبل أن يطيح به انقلاب عسكري آخر في أغسطس/آب 1949 بقيادة سامي الحناوي الذي دعا الأتاسي للعودة عن تقاعده وتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على انتخابات من شأنها استعادة الحكم المدني. امتثل الأتاسي لطلب الحناوي وضم حكومة وحدة وطنية تشمل جميع الأطراف بما فيها حزب البعث العربي الاشتراكي حيث مثله ميشيل عفلق بوزارة الزراعة. ثم تمت خلال رئاسته للحكومة صياغة قانون انتخابي جديد، صوتت فيه النساء للمرة الأولى في 15 و16 نوفمبر/تشرين الثاني 1949، وتكونت جمعية تأسيسية انتخب لرئاستها، ثم رشح لولاية ثانية كرئيس للبلاد.

انتخب الأتاسي رئيسًا للمرة الثانية بإجماع الأعضاء في ديسمبر 1949، غير أن القلاقل عادت من جديد مع المطالبة بالوحدة مع العراق، وقد تحالف الأتاسي مع حزب الشعب وعين رئيسه ناظم القدسي رئيسًا للوزراء، وافتتحت مفاوضات للوحدة مع العراق. كذلك فقد شهدت ولايته الثانية إغلاق الحدود مع لبنان بحجة منع تدفق البضائع اللبنانية التي كانت تغرق السوق السورية. طوال 1950 كانت مفاوضات الانضمام إلى العراق تسير قدمًا خصوصًا بعد سفر الأتاسي إلى بغداد ولقاءه فيصل الثاني ملكها، ما أغضب أديب الشيشكلي أحد أبرز قادة الجيش، والذي حذّر الأتاسي من مغبة "استيلاء بغداد على دمشق"، رفض الأتاسي الضغوط العسكرية، فقام الشيكشلي بانقلاب ديسمبر 1949 واعتقل سامي الحناوي وأبرز المتعاطفين مع حزب الشعب، وعدد من الضباط الموالين للعراق في الجيش السوري. في المرحلة الممتدة بين انقلاب 1949 وانقلاب 1951، كان الشيشكلي صاحب الكلمة العليا في البلاد، والجيش طرفًا في الحياة السياسية، طالب الشيشكلي تعيين فوزي السلو وزيرًا الدفاع، لكونه من المقربين منه، بحيث يضمن عدم تأثير موالي العراق على الحكومة، قبل الأتاسي بشروط الشيشكلي الأولى، ومع ذلك طلب من معروف الدواليبي أحد وجوه حزب الشعب تشكيل الحكومة، وقد رفض الدواليبي منح حقيبة الدفاع لفوزي السلو، وبنتيجة ذلك قام الشيشكلي بانقلاب 1951، واعتقل رئيس الوزراء وجميع أعضاء حزب الشعب وجميع الوزراء ورجال الدولة المؤيدين للأسرة الهاشمية، ثم حلّ البرلمان.

احتجاجًا على ذلك قدم الأتاسي استقالته إلى البرلمان المنحل في 24 ديسمبر 1951، ورفض أن يقدمها للشيشكلي، لكون حكمه غير دستوريًا. وطوال حكم أديب الشيشكلي بين 1951-1954 قاد الأتاسي معارضة مستترة ضده مؤكدًا أن حكمه غير دستوري. وبتضافر أنصار الكتلة الوطنية وأنصار حزب الشعب - الذين باتا من الأحزاب المحظورة - إضافة إلى مؤيدي الهاشمية، قامت انتفاضة وطنية من حلب، تلاها انقلاب 1954 بين 24-26 فبراير، واعتقل عدنان نجل الشيشكلي، وكرد على ذلك وضع الشيشكلي الأتاسي تحت الإقامة الجبرية، ولم يقم بوضعه في السجن احترامًا لدوره البارز في الحياة السياسية السورية. في 1 مارس عاد الأتاسي من حمص إلى دمشق وتابع مهامه كرئيس للجمهورية، كما أعاد مجلس الوزراء ورئيسه معروف الدواليبي، واستعاد أيضًا جميع السفراء والوزراء والبرلمانيين الذين عزلهم الشيشكلي مناصبهم السابقة، وحاول الأتاسي خلال متابعته لولايته الثانية بكل قوته القضاء على كل أثر لديكتاتورية الشيكشلي التي دامت أربع سنوات.

الانقلاب العسكري في سوريا 1954، هو خامس انقلاب عسكري في البلاد منذ الاستقلال. أطاح بنظام أديب الشيشكلي ونظام الحزب الواحد الذي تزعمه. ويعتبر ثاني انقلاب سلم قادته العسكريون السلطة لمدنيين (بعد انقلاب سامي الحناوي في 1949)، كفّوا عن التدخل بشؤون البلاد السياسية، لتزدهر بعده الفترة المعروفة باسم "ربيع الديموقراطية" 1954-1958. كما أنه الانقلاب الوحيد الذي بدأ من حلب.
كان أديب الشيشكلي قد أطبق على البلاد عبر نظام الحزب الواحد. اندلعت احتجاجات 1953 الطلابية من حلب، فشكلت أولى بوادر تزعزع النظام. في 25 فبراير 1954، قام الجنرال فيصل الأتاسي مع الفرق العسكرية في حلب باعتقال الجنرال محمد تامر خان القائد العسكري للمنطقة الشمالية، وسيطر الجيش أيضًا على مباني هامة مثل مبنى الاتصالات ودار البلدية وإذاعة حلب، الذي أذيع منها بيان باسم "إذاعة سوريا الحرة"، يدعو في جميع الفرق العسكرية في الجيش "للالتحاق بالثورة". قبل انتصاف الظهر كانت الوحدات العسكرية في اللاذقية ودير الزور وحمص ودرعا قد انضموا للانقلاب ولم يبق في حوزة الشيشكلي سوى الفرق العسكرية في دمشق وريفها.

قضى الأتاسي سنوات حكمه الأخيرة وله من العمر ثمانون عامًا، يحارب نفوذ ضباط الجيش ويسعى للحد من نفوذ الأحزاب اليسارية التي كانت تتنامى في البلاد إلى جانب الاشتراكية والتعاطف مع الاتحاد السوفياتي، وكذلك جمال عبد الناصر، الذي كان يدعمه عدد من وجوه آل الآتاسي من أمثال جمال الأتاسي ونور الدين الأتاسي. واستطاع الأتاسي خلال توليه السلطة تحييد سوريا والحفاظ عليها خارج المعسكر الاشتراكي.


جنازة الرئيس الأتاسي، التي وصفت أنها الأكبر في تاريخ حمص.
خلافًا لمعظم المفكرين والقادة العرب، كان الأتاسي يعتقد أن جمال عبد الناصر كان صغير السن لقيادة مصر والوطن العربي، وعديم الخبرة فضلاً عن آيديولوجيته الحادة، وعمد الرئيس السوري إلى إجراءات صارمة ضد التيار الناصري في سوريا، ووقع خلاف مع رئيس وزرائه صبري العسلي واتهمه بالسعي لتحويل سوريا إلى "قمر صناعي مصري". في عام 1955 كان الأتاسي يميل للقبول بحلف بغداد وهو الاتفاقية المرعيّة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وتهدف إلى احتواء نفوذ الاتحاد السوفياتي في المنطقة، ولكن الضباط الناصريين في الجيش السوري منعوه من القيام بذلك. وخلال الصراع بين العراق الهاشمي ومصر عبد الناصر وقف الأتاسي إلى جانب العراق وتحالف مع نوري السعيد. وبعد أن أقال العسلي عيّن فارس الخوري رئيسًا للوزراء ليكون بذلك السوري المسيحي الوحيد الذي يتولى منصب رئيس الوزراء. وقد أوفد الأتاسي، رئيس وزرائه الخوري إلى مصر، لتقديم احتجاج لدى الحكومة المصرية على "هيمنة عبد الناصر على الشؤون العربية".

انتهت ولاية الأتاسي في سبتمبر/أيلول 1955 واعتزل الحياة السياسية وعاد إلى حمص حيث أقام في دارته حتى يوم وفاته. في عام 1956 أدين ابنه عدنان الأتاسي بالتحالف مع العراق لتدبير انقلاب عسكري للإطاحة بشكري القوتلي الموالي لعبد الناصر، وقد حكم على عدنان بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، لكن احترامًا لوالده تم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد. ويعتقد أن الضباط الذي أداروا المحكمة العسكرية قد أصدورا أحكامًا قاسية انتقامًا من الأتاسي خصوصًا لكونه قد كبح جماح السلطة العسكرية خلال ولايتيه الثانية والثالثة، ومع ذلك فقد رفض زيارة ابنه في السجن.

توفي في حمص يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 1960 خلال سنوات الجمهورية العربية المتحدة، وكانت جنازته الأكبر في تاريخ المدينة وحضرها جمال عبد الناصر إلى جانب كبار المسؤولين في الدولة، وقد تحققت رؤيته للجمهورية العربية المتحدة إذ انفصلت عام 1961 بعد ثلاثة أشهر من وفاته، وقد انتخب اثنان من أفراد أسرته هما لؤي الأتاسي ونور الدين الأتاسي رئيسين للجمهورية من بعده.

قيل عن الأتاسي بأنه رجل "المبادئ السلمية" والمؤيد "للطرق الدستورية" إلى جانب احترامه لجميع اللاعبين في السياسة السورية، وهو واحد من قلة في الطبقة السياسية السورية من حقبة ما قبل البعث لم ينتقده البعثيون ويشهروا بسيرته بعد وصولهم إلى السلطة عام 1963. وقد نشرت سيرة حياته في سوريا عام 2005 على يد حفيده،غير أنه لم يترك وراءه أي مذكرات يومية، تؤرخ للمرحلة التي تولى خلالها رئاسة البلاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق