
الزعيم هو أول رئيس من خارج الطبقة الأرستقراطية الإقطاعية التي حكمت البلاد منذ سقوط سوريا العثمانية، والتي شكلت السمة الأبرز في الحياة السياسية خلال عهد الجمهورية السورية الأولى؛ وهو أول رئيس لا يعتمر الطربوش؛ وقد كتبت صحيفة التايمز أنه "أنهى حكم العائلات الغنية في سوريا، وقضى على الفساد في الدولة"؛ وعلى الرغم من فترة حكمه القصيرة إلا أنه قدم إنجازات هامة، منها منح المرأة حق التصويت، ووضع قانون الأحوال الشخصية. اعتبر الزعيم نفسه زعيمًا في مصاف زعماء كبار كنابليون وأتاتورك وهتلر، وقال في مرحلة لاحقة أنه «ملك سوريا»؛[2] وصف بالديكتاتور وقال عنه خالد العظم أنه «متهور وطائش»،اشتهر بولعه باللباس، وبقوله: «أتمنى أن أحكم الشام يومًا واحدًا ثم أقتل».
مع تزايد حدة الانتقادات للجيش إثر هزيمة حرب فلسطين، وحالة السخط الشعبي على المؤسسة العسكرية والطبقة السياسيّة خصوصاً والنظام القائم عموماً، دخلت البلاد في حالة أزمات سياسة متكررة لم يواجه النظام الجمهوري مثلها منذ قيامه. خلال مناقشة أسباب الهزيمة في البرلمان، تحولت الانتقادات إلى "انتقادات شخصية للضباط، لا سيّما قائد الجيش وبشكل ملحوظ من قبل الحزب التعاوني الاشتراكي؛ وهو ما شكل اللبنة الأولى لانقلاب الزعيم. وَعَدَ رئيس الجمهورية القوتلي بإجراء إصلاحات إدارية واقتصاديّة وتخصيص جزء كبير من الميزانيّة لإعادة بناء الجيش وتسليحه «والعمل على إعادة ثقة السوريين بنظامهم».
كانت بداية التدخل العملي للزعيم في الحياة السياسية في 3 ديسمبر 1948، حين اندلعت أعمال شغب في العاصمة إثر استقالة حكومة جميل مردم واعتذار هاشم الأتاسي عن تشكيل حكومة جديدة، بعد أن نشر الزعيم الجيش في العاصمة دون إذن مسبق من الحكومة أو السلطة السياسيّة، وفي اليوم ذاته أعلن القوتلي حالة الطوارئ وإخضاع البلاد للأحكام العسكريّة وإغلاق المدارس.
في اليوم التالي، بدأ الزعيم جولة لزيارة القطع العسكريّة في المحافظات السورية بهدف «رفع معنويات الجيش»، ما ساهم في تقوية علاقته مع معظم قادة الثكنات من جهة وبروز اسمه «مخلصاً للبلاد» من جهة ثانية. وفي 16 ديسمبر شُكّلت حكومة جديدة برئاسة خالد العظم بعد سلسلة أزمات في التكليف والتأليف، وجاء البرنامج الحكومي كما وصفته الصحافة «تقليدياً ومخيباً لآمال السوريين»، على الرغم من أنه نص على سعي الحكومة «لتحرير فلسطين». لم يساهم تشكيل الحكومة بالتخفيف من حدة الأزمة السياسية، بل تفاقمت نتيجة العداء المتبادل بين رئيس الحكومة خالد العظم وقائد الجيش حسني الزعيم "والذي كان يناله منه تجاهلاً بل تحقيرًا"؛أما النقطة الفارقة في الأزمة فكانت النقاش حول مد خطوط التابلاين في سوريا، ورفع حالة الطوارئ، ومناقشة السياسة العسكرية في مجلس النواب، إذ دفعت الزعيم مع أربعة عشر ضابطٍ للتخطيط للإنقلاب. وقال الصحفي السوري نذير فنصة، الذي جمعته صداقة مع الزعيم، إن تخطيط الانقلاب بدأ في 24 مارس في منزله، وكان سامي الحناوي بين الأربعة عشر ضابطًا الذين خططوا للانقلاب، تلاه اجتماع آخر في القنيطرة، ورغم وصول أنباء الإعداد لانقلاب عسكري وتذمر كبار الضباط للقوتلي، إلا أنه لم يعر هذه الأخبار أي اهتمام.
الانقلاب
يوم الأربعاء 30 مارس 1949، في تمام الساعة الثانية والنصف فجرًا، انتقل الزعيم من مقر عمله في القنيطرة إلى دمشق بعد أن أعطى أوامره بقطع كافة أشكال الاتصالات بينها وبين العالم الخارجي. وبعد وصوله المدينة أمر عددًا من وحدات الجيش السوري بتطويق القصر الرئاسي ومبنى مجلس النواب والوزارات الرئيسية، كما حوصرت مقرات الشرطة والأمن الداخلي والقوات نصف العسكرية المعروفة باسم الجندرمة التابعة لوزارة الداخليّة؛ في حين أعدّ أكرم الحوراني بيان الانقلاب الذي تلته الإذاعة السورية. وقد تمت عملية التطويق والاستسلام في جميع هذه المواقع سلمًا ودون إطلاق رصاصة واحدة. اعتقل الجيش شكري القوتلي ورئيس الوزراء خالد العظم بعد أن بُلغا مذكرة من الزعيم بأن الجيش قد قرر استلام قيادة البلاد، ونقلا إلى مشفى المزة العسكري، ووجه الجيش الذي انتشر في الساحات العامة بيانًا مقتضبًا للشعب حول عملية «انتقال السلطة»؛ ولم يعلن في البلاغ الأول، وسلسلة البيانات الأولى اسم قائد الانقلاب، واكتفى بالإشارة للقيادة الجماعية للجيش؛ وقد اتخذ الزعيم من قصر مديرية الشرطة في ساحة المرجة مقرًا مؤقتًا له، وهو مقر عمله السابق.
في صباح الانقلاب، التقى الزعيم عددًا كبيرًا من أعضاء مجلس النواب يتقدمهم رئيس المجلس فارس الخوري، وأسفر اللقاء عن السماح للخوري بزيارة رئيسي الجمهورية والوزراء في مشفى المزة العسكري بعد ظهر ذلك اليوم، وقد جاءت زيارة الخوري للإطمئنان على صحة الرئيسين من ناحية، وليطلب منهما التوقيع على بيان الاستقالة. طبقًا للقانون الدستوري الدولي، الذي ينصّ على "انتقال" السلطة الشرعية، لا استملاكها بالقوة. وجب على البرلمان في 1 أبريل الانعقاد في فندق الشرق، نظرًا لاحتلال قوات الجيش مبنى البرلمان، وبحضور سبعين نائبًا "فوضت السلطة الشرعية" في البلاد إلى الزعيم، دون معارضة أي نائب، إلا أن غياب بعض النواب فسّر بأنه اعتراض على العملية، وعبرت كلمات النواب عن دعمها للنظام الجديد دون أي معارضة تذكر خوفًا من انقسام الجيش ما قد يدخل البلاد في حرب أهليّة. غير أنّ الأيام اللاحقة شهدت اعتقال عدد من النواب منهم منير العجلاني. في 3 أبريل أعلن الزعيم حل البرلمان، وتفويض نفسه صلاحيات التشريع، وإلغاء العمل بالدستور، لحين وضع دستور جديد للبلاد يعيد للسوريين «حقوقهم وحرياتهم» كما صرح في اليوم ذاته.
بعد أن بدا الوضع الأمني في البلاد مستقرًا بشكل عام، اتجه الزعيم نحو كسب "شرعية دستورية" عن طريق الانتخابات، فقرر عدم الانتظار لوضع دستور جديد للبلاد؛ بل الشروع بانتخاب رئيس جديد على أن تكون من صلاحياته إصدار الدستور العتيد؛ وشكل الزعيم في سبيل ذلك لجنة كتابة الدستور. بين 15 - 20 يونيو 1949، فتح الزعيم باب الترشيح للانتخابات، ولم يترشح أحد سوى الزعيم نفسه، وهو ما حوّل الانتخابات إلى استفتاء حول تبوؤ الزعيم منصب الرئاسة، وتفويضه سلطة إصدار الدستور.
جرت الانتخابات في 26 يونيو، وشاركت بها المرأة للمرة الأولى، وأفضت طبقًا للنتائج الرسمية بفوز ساحق للزعيم.وبعد إعلان النتائج، قلّد الزعيم نفسه منصب رئيس الجمهورية رسميًا، ورفع نفسه لمنصب جديد لم يكن سابقًا ضمن مراتب الجيش السوري هو المشير، وألف حكومة البرازي. مع استحداث رتبة المشير، اعتمد الزعيم شارة المنصب بقيمة 17,500 ليرة سورية (كان الدولار آنذاك 3.5 ليرة)، في حين لم تبارح "العصا الماريشالية" الظهور في يده في جميع المناسبات؛ وقد وضعت في المتحف الحربي السوري بعد خلعه؛ وبشكل عام، فإن "ولع الزعيم بالمظاهر القيصرية، وفي لباسه وشاراته، بشكل مسرحي، كان أحد عوامل سقوط نظامه جماهيريًا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق